يذهب على رؤوس أصابعه
يذهب على رؤوس أصابعه
جرجورة حردان
19 كانون الثاني 2017
(PDF version) تحترمه كاهناً، وتكاد لا تعرفه، عندما يذوب في جماعة الآباء، ويطبق قوانينها بصرامة، ولا يفوّت قداساً جماعياً دعت اليه او مأدبة نظّمَتها لإحياء عيد او ذكرى، او عندما يقيم الذبيحة الإلهيّة في كنيسة تعج بمؤمنين اعتادوا على قداسه الذي غدا في روزنامتهم موعداً مقدّساً لا يلغى ولا يؤجّل، فيرتل ملء حنجرته، ويتلو الصلاة بصوت جهوري خاشع، ويقف واعظاً باسلوب فريد يحرّك القلوب والأذهان. فهو يذكر المؤمنين الذين عايشوه بسلالة آباء الكنيسة.
وتهابه مسؤولاً، وتكاد تنسى انه صديقك، عندما يخالفك الرأي او يتخذ قراراً بعكس ما اقترحت عليه، او عندما يلومك على تصرف او على موقف يعتبره في غير محلّه، فتقبل برحابة صدر لانه يوحي لك بالثقة، ولانك تعرف أن لا اعتباطيّة ولا انفعاليّة في قراراته، وتشعر بارتياح عندما تلمس أن ممارسة المسؤولية عنده شورى ومشاركة. فهو من صفّ رؤساء جامعة القديس يوسف الكبار.
وتقدّره مراقباً للشأن العام، وهو متابع مثابر للأخبار، فيفاجئك، وعيناه تلمعان، ووجه يبتسم، بخبر نادر او سبق اعلامي وصله من صديق من أصدقائه السياسيين والصحافيين الكثر، المحلّيّين والأجانب، فيعلّق على الأحداث ويحلّلها بأسلوب مشبع بالنقد المتعمّق ومطبوع بسخرية أدبية من المستوى الرفيع مليئة بالتلميحات والإيحاءات اللطيفة. فتشعر بأنك في حضرة عالم اجتماعي يواكب بنظرته الثاقبة تغيرات العصر وتوجهاته، فيأتيك دائماً بجديد غير منتظر بعيد عن الافكار المسبقة والنظريات المعلّبة.
وترتاح اليه صديقاً، فيحلو لك أن تجالسه او ترافقه، او تسمع صوته على الهاتف، ويطيب لك ان تكون على طاولته، وتشاركه المأكل والمشرب، وهو الذوّاقة المرهف، والنديم الهني.
ويذهب على رؤوس اصابعه، وتتحقق من أن كبيراً رحل، ومن أنّك من المحظوظين، إذ امتلأ عالمك بحضوره، وسيبقى طويلاً مليئاً بذكراه.
رئيس مركز الأبحاث والدراسات في جامعة القديس يوسف