سرّ رينيه شاموسي
سرّ رينيه شاموسي
هنري عويس
19 كانون الثاني 2017
(PDF version) لم نعد نعرف بالضبط إن كان قد ولد في ليون أم أنّه من مواليد بيروت. وهو اختار لبنان وعاش فيه منذ 1969. وتبوّأ مناصب رفيعة في جامعة القديس يوسف بالاضافة الى التعليم الذي لم ينقطع عنه الاّ عندما أجبرته المسؤوليّات الملقاة على عاتقه على ذلك.
تسلّم بداية قسم التوجيه المهني فكان يزور المدارس ويعرض على تلامذتها آفاق التخصّص وامكاناته ويستقبل في مكتبه المتعطّشين الى المعلومات، ثم أسّس بمشاركة رولان مينيه اليسوعي معهد اللغات والترجمة الذي كان يضمّ مدرسة الترجمة في بيروت وتولّى إدارة المؤسّستين معاً (1980) ثمّ انتقل بعد ذلك الى عمادة كليّة الآداب والعلوم الانسانيّة (1996) ومنها الى نيابة الرئاسة للشؤون الاداريّة وتوّج هذه المسيرة برئاسة الجامعة من سنة 2003 الى سنة 2012.
واهتمّ بشؤون لبنان، وطنه الثاني، ولم يغادره في أحلك الظروف وكتب وحلّل – وهو عالم الاجتماع – ويذكر الناس نشرته الاسبوعيّة التي تتضمّن وجهة نظرته الدقيقة الثاقبة في شؤون الساعة. وجمعت بينه وبين السياسيين علاقة واضحة قائمة على تبادل الآراء ومناقشتها.
وفي عهده اتّجهت الجامعة الى الآفاق الاقليميّة والدوليّة فاستقبلت معهد "كونفوشيوس" وكان تدريس الصينيّة وكان معهد "كاجاب" وتدريس اليابانيّة، وكان مركز دبي وتدريس الحقوق فيه، وعقدت عشرات الاتّفاقات بين الجامعة وسائر الجامعات في الدول العربيّة واوروبا وأميركا والصين واليابان.
وقامت في عهده نهضة عمرانيّة تابع فيها ما سبقه إليه صديقاه سليم عبو وجان دوكرويه اليسوعيّان، فكان حرم الابتكار والرياضة على طريق الشام الذي، ولو اختلفت حوله الآراء، إلاّ أنّه يبقى معلماً عمرانيّاً يشهد على حرب ولّت وعلى انطلاقة نحو العلى تبدأ بمكان صار ملتقى الشبيبة وأنشطتها المعروف بدرج اليسوعيّة الذي على أثر تفجير ساحة ساسين جمع مساعدة ماليّة للاسهام في استعادة الحي المنكوب جرّاء التفجير. ولعلّ البعض يظنّ أنّ حياة الرهبان ورجال الدين عموما هي التعبّد والصلاة في مثل صوامع ومحابس منقطعين عن الناس بهمومهم ومشاكلهم، إلاّ انّ حياة هذا اليسوعي وأعماله كانت بحدّ ذاتها تعبّداً وصلاة. ففي عام 2006 وعلى أثر حرب تموز المعروفة أطلق رينيه شاموسي مبادرة باسم "اليوم السابع" اهتمّت بشؤون الناس وشجونهم في زمن تلك المأساة التي لم توفّر أحداً، لا الحجر ولا البشر، فتجمّع حوله الشباب بعد أن استنهضهم وراحوا يقدّمون من جهدهم واندفاعهم وإيمانهم ما من شأنه أن يبلسم الجراح وأن يساعد على تخطّي المآسي، والوقوف من جديد بوجه العنف والكراهية. وقد بلغت هذه الجمعيّة عامها العاشر وهي لا زالت تضاعف من حيويّتها وجهوزيّتها لمدّ يد المساعدة الى الناس، كلّ الناس كي يصبح المجتمع محبوكاً حبكة واحدة فترتدي الحياة من طيب المحبّة وهناء تحمّل الاعباء مجتمعين متضامنين.
ولم تنسَ هذا الصديق الصدوق شلّة الاصحاب الذين تحلّقوا حوله لأنّه كما الينابيع لم تنضب ماؤه يوماً، ولا تشقّقت أرضه يباساً بل كان حتّى في أيّام الشحّ يتدفّق بتلك الابتسامة، وتلك الكلمات التي على قلّتها كانت تزرع أملاً وتفتح أبواباً وتعترف به تعالى: أن لم يتخلَّ عن عبادة.
وفي أسابيع الألم الاخيرة لم تفارقه ابتسامة الرضا والقبول لأنّه على موعد مع حياة اخرى صافية خالية من الاوجاع ومن وهن الجسد، ولأنّه من ذلك المكان هو على يقين من أنّ كلّ من عرفه واشتغل معه لا زال يتحسّس الطمأنينة التي كان ينشرها حضوره الدائم، ويتلمّس رقّة تعرفه وعمق كلماته البسيطة المعدودة.
عميد كلية اللغات في جامعة القديس يوسف