ميلاد وفراق


https://farah.kamaljoumblatt.com/articles/5542

Kamal Jumblatt was born on 6 December 1917. This special issue of the Friends of Kamal Jumblatt Association is dedicated to this happy event. It includes articles by Abbas Khalaf, Said al-Ghizz, Ghada Jumblatt, DrMohammad Shayya. In link above, my contribution on the celebration of birthdates.

 

ميلاد وفراق

ملف خاص بمناسبة ذكرى ولادة المعلم كمال جنبلاط

شبلي ملاط

ليس واضحاً في التاريخ متى بدأ أغلب المسيحيين يحتفلون بمولد المسيح في منتصف ليلة 24 الى 25 كانون الأول، والبعض الآخر من الشرقيين الأقباط والأورثوذكس في ليلة 6 الى 7 كانون الثاني. يروى أن التاريخ الأول مرتبط بصعود الشمس من أقصر النهارات في انقلاب الشتاء، ال solstice المحتفى به منذ العهد الروماني. أما تواريخ جلجلة المسيح في الربيع فتفاوتها كلّ عام مرتبط بالتقويم القمري الملازم فيه لعيد الفصح.

اختلاط التواريخ طبيعي في العصور الغابرة بسبب تباين التقاويم وتعارض الآثار، فالمؤرخون الحديثون انتهوا الى أن ولادة المسيح جاءت في السنة الرابعة أو السادسة قبل الميلاد، وحتى عام مولد نبي الاسلام في 571 ميلادي مجرّدُ تكهن أساسُه الإشارة القرآنية العابرة الى اجتياح ملك الحبشة أبرَها للحجاز بفيَلته واندحاره عند غضب الله. وإذا طغى ميلاد المسيح في 25 كانون الأول من السنة الغريغورية عالمياً، تُرجَّح نشأته منتصفَ القرن الرابع الميلادي عام 350، أيام كان التقويم المعتمد سابقاً بألف عام لتقصيره الفجائي في عهد البابا غريغوريوس الـ13، بحيث صارت الرزنامة في الغرب المسيحي منذ عام 1582 أقصر بعشرة أيام من رديفها الجولياني السابق.

كذلك المولد النبوي ، شأنه شأن الميلاد المسيحي، مختلفٌ على يومه ما بين الفرق الشيعية والسنية، وهو أصلاً جاء متأخراً في مكانته على العيدين الصغير والكبير عند المسلمين، ومرفوضًا حنبليًا بسبب النقص في العلّة الفقهية.

مختصر القول أنّ تاريخ التواريخ نفسه من عمل الإنسان وعقله القاصر، إلا أنّه لا يمنع التئام الناس في الأحزان والأفراح على ميلاد أحبابهم في العائلة والوطن والدين على أساسات واهية علميّاً. واقتباساً من قصيدة أحمد شوقي الرائعة في النبي، مطلعُها

وُلِد الهدى فالكائنات ضياءُ وفمُ الزمان تَبَسُّمٌ وثناءُ،

يبقى للإحتفال المسيحي للمؤمن به لا يضاهيه في الكون ضياء ، وفي ذكرى الميلاد في العالم بهاءُ طقوس وانبعاثات ولقاءات يعمّها الفرح، ما يخالج نفسي في ذكرى مولد كمال جنبلاط منذ حين.

سؤال صعب على الإنسان الذي نحبّه ونفتقده: هل نرجّح عيد الميلاد أو عيد الفراق في ذكراه؟

كان دأبي سابقاً مرافقة ذكرى اغتيال كمال جنبلاط في آذار بمحاضرات تلائم الحدث الحزين ، الى أن باتت قناعتي المتنامية، أسوةً بأصدقائه في الجمعية، بأن حياة كمال جنبلاط تحمل فرحاً يضطرّ الى ترك الموت الغادر جانبًا، والى تفضيل ميلاده الذي بِتنا في لبنان نحتفل به بمثل هذا اليوم كلّ عام، ولقد أنسْتُ في شعر أبي العلاء بيتاً أردّده دومًا لما فيه من بهجة وحكمة في سيرة المسيح ونصرته الفقراء على الأغنياء، والتواضع على تعالي أصحاب المعالي، ومن شَبَهٍ له في سيرة أبي وليد لمــــــــّـا يقول المعرّي:

فَما حَبَسَ النَفسَ المَسيحُ تَعَبُّدًا وَلَكِنْ مَشى في الأَرضِ مِشيَةَ سائِحِ

وهكذا صار العُرف عموماً في لبنان بذكرى كمال جنبلاط مناسبة صامتة بباقة من الورد على ضريحه في السادس عشر من آذار، وندوات وكتابات واحتفالات في الخامس من كانون الاول، وهو ما جعل الزمنُ أغلبَنا يُحْييه ويُحَيّيه.

يبقى أن جاء ترفّع كمال جنبلاط عن الخوف، وازدراؤه له إذا كان ثمنُه غيابَ الحرية، وحكمتُه في اعتبار الحياة دائمًا عابرة، جاء شاملاً الميلاد والفراق صدًى لفيلسوف المعرّة:

فكأنّ كلَّ شيء منذرٌ بالرحيل ، comme si toute chose ne fût qu’ annonce de voyage .

Year: